الطائفية.. كلمة نسمعها كثيرًا، ولكن هل ندرك حقًا خطورتها؟ كيف تحوّل المجتمعات إلى ساحات حرب؟ ولماذا تعتبر الطائفية مقبرة الاوطان
الطائفية هي الانتماء إلى طائفة دينية أو اجتماعية معينة، لكنها لا تتعلق بالعرق. والطائفي هو الشخص الذي يتبع طائفته بتعصب ويرفض الطوائف الأخرى فالطائفية تندرج في المجال السياسي وترتبط بالنخب السياسية المتنافسة على السلطة والمناصب. وإذا تحولت الدولة إلى ساحة لصراع الطوائف، فإن أخطر سلبيات الطائفية ستظهر، وأبرزها تدمير الدولة، مما ينعكس سلبًا على المجتمع بأسره.
الطائفية ليست مجرّد انتماء لمجموعة دينية أو اجتماعية، بل هي التعصب لهذا الانتماء ورفض الآخر.. وهنا تبدأ الكارثة
فالطائفية تسبب في
انقسام المجتمع وتشرذمه
عجز الدولة عن تحقيق أهدافها
تفاقم الفقر والجهل وانعدام الأمن
نشوب الحروب الأهلية
توقف عجلة التنمية
تعزيز الكراهية والاستبداد
تعزيز الشوفينية والتكبر والاستهتار بالقيم الإنسانية، مثل الحرية، والعدالة، والديمقراطية، وحكم القانون
انهيار القيم المجتمعية
على مدار خمسين عاماً، سعى النظام الاسد إلى تفتيت الروابط بين المدن السورية، حتى بات ابن درعا لا يعرف شيئاً عن ابن حلب، وابن السويداء بالكاد يعرف جاره الدمشقي. أما الكردي، فقد عاش بنصف هوية، غير قادر على التحدث بحرية عن ثقافته بين أصدقائه العرب، وكأن الحديث عن هويته محرّم. وبسبب مخاوفهم الوجودية، فضّل الدروز الانغلاق على نفسهم، مما حال دون أن يتعرف باقي السوريين على الجمال الغني لثقافة أهل جبل العرب. أما السريان والآشوريون، فقد بدوا وكأنهم من عالم آخر، رغم أنهم من أقدم سكان المنطقة. فكثير من السوريين لا يعرفون عنهم شيئاً، بل إن معظمهم يجهلون حتى أن الأشهر المستخدمة في تقويم بلاد الشام تحمل أسماء سريانية. وابن الساحل لا يعرف عن ابن حوران إلا القليل. وبالكاد يعرف ابناء سورية شيئاً عن دير الزور
مما جعل الوضع في سوريا معقّد ومتداخل بين السياسة، الطائفية، القومية، والتدخلات الخارجية. ولكي نكون منصفين في الطرح، لا بد من تناول الأخطاء التي ارتكبتها كل المجموعات ونظام الأسد. وأيضا هناك أخطاء من الحكومة الحالية في السورية والمؤدين لها، مع الأخذ في الاعتبار أن الأفراد لا يتحملون بالضرورة مسؤولية قرارات الجماعات أو السلطات.
إضافة الى وجود فئة أخرى هم ايتام اسد “فلول الأسد”
أخطاء العلويون
منذ وصول حزب البعث إلى الحكم، ومع صعود حافظ الأسد، أصبح النفوذ العلوي مسيطرًا على الجيش والأجهزة الأمنية، مما خلق حالة من الاحتقان لدى بقية مكونات المجتمع السوري. حيث اعتمد نظام الأسد على الجيش وحزب البعث لترسيخ سلطته، وكان العلويون يشكلون العمود الفقري لهاتين المؤسستين. لكن مع حل جيش النظام السابق وحزب البعث، بات العلويون في موقف ضعيف، بلا مؤسسة تحميهم أو تنظيم سياسي يوفر لهم الغطاء، مما جعلهم مكشوفين أمام التغيرات الجديدة في سوريا. وجدوا أنفسهم في عزلة تامة، بدون تحالفات أو دعم خارجي، نتيجة سياسات الأسد التي حصرت علاقتهم بالعالم من خلاله فقط.
ووقف قطاع واسع من العلويين وقف إلى جانب النظام السوري خلال الثورة ودعم النظام في قمع الثورة، بحكم الروابط الطائفية، مما جعلهم طرفًا في الصراع
تاريخيًا، لم يُسمح للعلويين ببناء قيادة مستقلة أو مرجعية دينية موحدة، مما زاد من عزلتهم مقارنةً بباقي الطوائف. ومع انهيار النظام، فقدوا أي نفوذ سياسي مستقل، وأصبحوا يواجهون تحديات داخلية وخارجية، دون أي خيارات واضحة للمستقبل فالتخوف من التغيير وايضا العلويون لم يسعوا إلى تقديم بدائل سياسية يمكن أن تحقق مشاركة حقيقية لكل السوريين، وبدلًا من ذلك اعتمدوا على النظام لحمايتهم من التغيير المحتمل .
أخطاء الأكراد
الأفكار الانفصالية والتعاون مع القوى الخارجية حيث بعض الفصائل الكردية، خاصة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، اتجهت إلى التعاون مع الولايات المتحدة ودول أخرى، مما جعلها طرفًا في النزاع الداخلي وسببًا في توترات مع باقي السوريين.
وأيضا محاولات فرض الهوية الكردية في بعض المناطق التي سيطرت عليها “الإدارة الذاتية” من خلال محاولات لفرض اللغة الكردية على السكان العرب، إضافةً إلى اتهامات لهم بعمليات تهجير قسري ضد العرب رغم تشكيل العرب %90 من سكان المنطقة.
وأيضا استغلال الفوضى السياسية في بعض الفترات، من ضعف النظام او معارضة لتوسيع مناطق سيطرتهم، مما خلق حساسية لدى المكونات الأخرى.
أخطاء الدروز
رغم أنهم لم ينخرطوا في دعم النظام بشكل مباشر، إلا أن موقفهم كان غامضًا في معظم الأوقات حيث اخذو سياسيات الحياد السلبي ولم يشاركوا بفاعلية في تغيير الوضع السياسي. أيضا اعتماد على الحماية الذاتية من بدلاً من الانخراط في الحلول الوطنية الشاملة، حيث فضّل الدروز في السويداء إنشاء ميليشيات محلية لحماية مناطقهم، مما عزّز الانقسامات.
وأيضا تواصل بعض منهم مع إسرائيل خلق حالة من الاحتقان ضدهم والتردد في الموقف السياسي الحالي بين ادانات فلول النظام أو البحث عن تحالفات مع المعارضة، وأيضا لا يوجد موقف درزي موحّد، مما أبقى الطائفة في موقف غير واضح.
أخطاء الحكومة السورية الحالية
سوف اتحدث فيه في مقال منفصل لان أصبح الموضوع يحتاج الى تحدث بشكل موسع
أما إلى شباب الثورة، فرسالتي لكم:
لا مكان للتطبيل، ولا مجال للنفخ الإعلامي الفارغ. الثورة ليست شعارات جوفاء ولا حملات تلميع زائفة، بل هي عمل، التزام، وإبداع مستمر.
اجعلوا أولوياتكم بناء الفكر، وتعزيز الوعي، والعمل الجاد لإعادة إعمار الوطن على أسس العدل والحرية. أنتم الأمل، والمستقبل لن يُصنع إلا بعقولكم وأيديكم.
%100 إبداع، %0 تطبيل، %0 نفخ إعلامي.
حافظوا على الشرفاء ولو كانوا خصومكم، ولا تفرحوا بالسفهاء ولو وقفوا معكم. فإذا كانت الصداقة بحاجة إلى الوفاء، فالخصومة تحتاج إلى شرف. / مشعل العدوي
الثورة لن تنتهي حتى تتحقق العدالة، وحتى يكون هناك دستور عادل، وانتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة تعبر عن إرادة الشعب.
واعلموا أن الثورة لن تنتهي حتى تتحقق أهدافها كاملة، حتى يكون هناك انتخابات رئاسية حرة، ومجلس شعب نزيه، ودستور عادل يحمي حقوق الجميع دون تمييز، ويضع سوريا على طريق العدالة والحرية الحقيقية.
أخطاء النظام الأسد البائد:
هي كثيرة جدا ولا تحصى لكن بعد ٢٠١١ كان القمع الأمني والعسكري وتعامل النظام مع الاحتجاجات السلمية بالقوة مما أدى إلى تصاعد العنف واندلاع الحرب واستخدام السياسة الطائفية رغم أن النظام يرفع شعار “العلمانية”، إلا أنه استغل الطائفية بشكل كبير لضمان بقائه في الحكم. والتعامل مع الأكراد بازدواجية حيث في بعض الفترات دعم الأكراد ضد المعارضة، وفي فترات أخرى قصفهم عندما شكّلوا تهديدًا له. كما سماح بتدخلات خارجية وفتح المجال لتدخل روسيا، إيران، والميليشيات الأجنبية زاد من تعقيد الوضع، وجعل البلاد ساحة صراع دولي.
اما فئة ايتام اسد “فلول الأسد“
إلى أصحاب بيانات الاستنكار والتضامن الانتقائي. إلى من احترفوا التعليق السخيف والشماتة، وإلى من يتنبؤون بالمستقبل وينشرون الخوف من الأسلمة، وإلى من لا يملّون من إثارة الجدل حول الحجاب واتهام الجميع بالإرهاب:
- عندما تم تعديل الدستور في دقيقتين فقط لتوريث الحكم، وعندما تم ترفيع الأسد إلى رتبة فريق دون أي استحقاق، لماذا سكتّم ولم تنطقوا بكلمة؟
- عندما شاهدتم المجازر تُرتكب بحق الشعب السوري، من قصف البراميل إلى الأسلحة الكيميائية التي أبادت الأطفال والنساء، لماذا ابتلعتم ألسنتكم؟
- عندما رأيتم الأثاث المنهوب من بيوت السوريين يُباع علنًا في أسواق الساحل تحت أسماء مثل “سوق حلب” و”سوق درعا”، أين كان ضميركم؟
- عندما شاهدتم مدنًا بأكملها تُهدم على رؤوس سكانها بعد أن كانت نتيجة عقود من العمل والكدّ، لماذا صمتم؟
- عندما رأيتم المصاحف تُداس بالأحذية العسكرية والمساجد تُهدم فوق رؤوس المصلين، أين كانت غيرتكم على الحريات والحقوق؟
- عندما تدفق مجرمو العالم من إيران وحزب الله وزينبيون وفاطميون وعصابات عراقية لذبح السوريين، أين كنتم؟ أم أنكم لم تسمعوا بذلك؟
- عندما تهجّر أكثر من 10 ملايين سوري، وأصبح البحر مقبرةً لمن حاول النجاة، أين كانت أصواتكم التي تتباكى على الوطن؟
- عندما ملأت صور المعتقلين والمختفين قسريًا السجون، وعندما شاهدتم المقابر الجماعية تُكشف واحدة تلو الأخرى، لماذا لم تتكلموا؟
- عندما كنتم ترتجفون خوفًا قبل وضع إعجاب على منشور سياسي، من الذي دفع الثمن ليرفع البسطار العسكري عن رؤوسكم؟
اليوم أكثرتم من بيانات الاستنكار، وتزايدت دعواتكم للتضامن مع المظلومين في الساحل، وطلبتم التدخل الخارجي (لم أجد أحقر من الذين يعينون الغزاة على احتلال أوطانهم ) رغم أنكم كنتم صامتين لسنوات عن جرائم النظام بحق الشعب السوري بأكمله. نعم، لا أحد ينكر أن هناك بعض انتهاكات حصلت، ويجب محاسبة الفاعلين، لكننا على عكسكم لا نقبل الظلم أبدًا، ولا نكيل بمكيالين.
نحن لا نبرر الأخطاء ولا نغض الطرف عن أي ظلم، بل نؤمن أن العدالة يجب أن تشمل الجميع، وأن المحاسبة يجب أن تطال كل من أجرم، أيًا كان انتماؤه. فالمجرم لا يصبح ضحية لمجرد تغيّر الظروف، ومن سفك الدماء لا يبرَّأ لمجرد أنه أصبح في موقف ضعيف.
العدالة الحقيقية لا تعرف الطائفية، ولا تتبدل وفق المصالح. لذلك، كما طالبنا بمحاسبة كل من قتل ودمّر وشرّد، فإننا نطالب اليوم، وبكل وضوح، بمحاسبة كل من ظلم أي إنسان، من أي طائفة كان. لن يكون هناك تهاون مع المجرمين، ولن يكون هناك إفلات من العقاب. سوريا الجديدة لن تُبنى على المجاملات، بل على الحق والإنصاف.
من كان يتوقع أن من حكم سوريا 50 عامًا، وجلس على عرش السلطة خمسين عامًا، وسرق خيراتها خمسين عامًا، سيتقبل الهزيمة في يوم؟ مخطئ.
من كان يتوقع أن الطائفي الذي تربى على الطائفية خمسين عامًا، سيصبح وطنيًا، وينظر للناس على أنهم ينتمون إلى سوريا، وليس إلى طائفة أو عرق، في يوم؟ مخطئ.
من كان يتوقع أن بسقوط الأسد ستصبح سوريا جنة، في يوم؟ مخطئ. / الدومري
الحقيقة أن التغيير لا يأتي بين ليلة وضحاها، ولا تلتئم الجراح بمجرد انهيار نظام. الطريق طويل، وصعب، يحتاج إلى صبر وإصرار. الثورة ليست مجرد إسقاط حاكم، بل هي بناء وطن جديد على أسس من العدالة والمساواة، وهذه المهمة تتطلب منا جميعًا أن نكون مستعدين للقتال من أجل الحقوق، وتحقيق الأمل، وليس فقط انتظار المعجزات.
وإن الأيام دول، والتاريخ لا ينسى، والأقنعة تسقط مهما طال الزمن. ومن كان يظن أن القاتل سيبقى للأبد، فقد سقط ومن راهن على الظلم، فقد خسر رهانه. ومن تلوّن ونفاق، فليتذكر أن نهاية المنافقين معروفة. أما نحن، فمستمرون… وسوريا ستعود لكل السوريين، رغم أنوف الحاقدين.
اخوكم ابن الدير / خطاب الدخيل